السبت، 13 ديسمبر 2014

تاريخ الدمج وتجارب الدول الأخرى حوله

تاريخ ظهور الدمج :

 
إن التعليم يعتبر حق لكل فرد من أفراد المجتمع بغض النظر عن مستوى قدراته أو مواهبه و على المدارس أن تتيح الفرصة لكل طالب أيا كانت قدراته لتلقى الفرص التعليمية التي تفي باحتياجاته و احتياجات مجتمعه و التي بدورها سوف تؤهله للاندماج في هذا المجتمع ليصبح مواطنا صالحا و عضوا فعالا.و لقد ظهرت التربية الخاصة لتلبية احتياجات شريحة من أفراد المجتمع تتطلب بعض الترتيبات الخاصة حتى تنمو و تتربى وتتعلم مثل باقي أفراد المجتمع. و مع تطور التربية الخاصة وما تضمنته من كشف وتشخيص واستخدام أساليب تربوية خاصة ، أصبحت المدارس ترفض تعليم بعض الطلاب على أساس إنهم غير قادرين على التعلم ، بالرغم من أنه قبل ظهور التربية الخاصة كان هؤلاء الأطفال يتلقون تعليمهم مع أقرانهم العاديين في المدارس وإن كان بأساليب غير فعالة ودون أن يتم التخطيط له وكانت اتجاهات التلاميذ نحوهم تميل نحو الرضا والقبول بهذه الفئة (الخطيب، 2004(وقد أدى ذلك إلى عزل الأفراد من ذوى الاحتياجات الخاصة ، وبعد عقود من العزل في المؤسسات والفصول الخاصة أدركت المجتمعات الإنسانية أن ذلك لم يقدم الحلول المرجوة لتربية و تعليم هؤلاء الأفراد ، وأخذت تتراجع عن موقفها وتزايدت الدعوات لإعادة الأطفال ذوي الحاجات الخاصة إلى المدارس العامة مما أدى إلى ظهور حركة الدمج و أصبح دمج الأطفال ذوى الاحتياجات الخاصة في المدارس العامة من أهم الاتجاهات التربوية الحديثة في التعليم(سيسالم،2001(وقد ظهر مفهوم الدمج كنتيجة للجهود المبذولة في عقد السبعينات في دول عديدة لدمج المعاقين في التعليم العام. كما أن منظمة اليونسكو دعت في مؤتمرها العالمي سنة 1994 إلى إتاحة الفرص للمعاقين إلى التعليم جنبا إلى جنب مع أقرانهم من زملائهم غير المعاقين في المدارس العامة
العوامل والمتغيرات التي اثرت في ظهور وتطور حركة الدمج: 

اسهمت العديد من العوامل والمتغيرات في ظهور وتطور حركة الدمج، ويصنف فاروق صادق تلك العوامل والمتغيرات التي ساهمت في دعم حركة الدمج منذ اوائل الستينات الي مجموعتين هي:المجموعة الاولي: وهي متغيرات ايجابية في طبيعتها كانت لها تأثيرات تراكمية في نمو الحركة التربوية الخاصة والتي ساهمت ايجابيا وبطريقة مباشرة في تبني مبدأ الدمج وظهوره وشملت
* جهود منظمات الامم المتحدة (دوليا-اقليميا- محليا) كحقوق الانسان والمنظمات المتخصصة وحركة الاباء والامهات وحركة المعوقين انفسهم وحركة العلماء والباحثين دوليا واقليميا ومحليا
*الجهود التخصصية: كالبحوث والنماذج البرنامجية المتعددة التوجهات وتنوع الاستراتيجيات والطرق والمناهج وتوصيل الخدمات الي المعوق واسرته واستخدام البرنامج الفردي والتوجه نحو الابداع مقابل التحصيل.
*الجهود العلمية (الصحية): وتضمنت اكتشاف المسببات والوقاية بمستوياتها وتنوع الرعاية العلاجية والتدخل المبكر والارشاد الاسري والارشاد البيئي
المجموعة الثانية: وهي تلك المتغيرات التي كانت تعمل لتقلل من عناصر واساسيات البرامج العزلية او التقليدية وشملت:  
*تكاليف البرامج العزلية في الانشاء والتجهيزات او التشغيل والاقامة ومستوي الجودة، والتكاليف والعائد الاجتماعي وتكاليف اعادة التأهيل.
*وفرة العاملين في الدول المتقدمة كزيادة عدد المدرسين من كل نوع والاخصائيين في مراحل الاعداد اكثر من الحاجة اليها وضيق المؤسسات بالعاملين بها، ونقص عدد التلاميذ بسبب التوجه للمدرسة العادية او الذوبان في المجتمع وامكانية تدريب المدرس العادي وتأهيله بشكل افضل وارخص ووجود عدد من المتطوعين.الامر الذي شكل وادي الي قرارات من السلطات المحلية بضغط الانفاق وتحويل المؤسسات الي وحدات اجتماعية صغيرة فكانت تراكمات وصعوبات وعيوب او قصور البرامج التقليدية والعزلية والتي كانت تشير الي ان عملية الدمج والاستيعاب مع العاديين هي الحل الامثل لها
الدراسات التي أجريت حول موضوع الدمج: 
هناك العديد من الدراسات التي ظهرت حول هذا الموضوع منها دراسة زقلر وهامبيلتون (Zigler & Hambleton , 1979) والتي هدفت إلى دراسة فعالية برنامج دمج الأطفال ذوي الإعاقة العقلية البسيطة في المدرسة العادية الابتدائية , حيث تم دمج صفين من صفوف الأطفال المعاقين عقليا على شكل صفوف خاصة ملحقة بالمدرسة العادية , حيث لوحظ أداء الأطفال العاديين والمعوقين قبل وبعد إجراء الدراسة , وأشارت النتائج إلى المواقف الايجابية للطلبة العاديين نحو الطلبه المعوقين عقليا والمتمثلة في الابتعاد عن العدوان اللفظي , بل أظهرت النتائج أيضا نموا متزايدا في التفاعل الاجتماعي للطلبة المعوقين عقليا , مقارنة مع الأطفال الذين لم يلتحقوا ببرامج الدمج وبقوا في مراكز التربية الخاصة النهارية .وفي دراسة أخرى آجراها ستيفنز وبراون (Stephens & Braun , 1980) هدفت إلى قياس اتجاهات معلمي الصفوف العادية نحو الأطفال المعوقين , وشملت العينة 1430 معلما ومعلمة , وقد تم التعرف إلى اتجاهات معلمي الصفوف العادية نحو الأطفال المعوقين باستخدام مقياس مؤلف من 20 فقرة ,
وأشارت النتائج إلى 61% من المعلمين يريدون دمج الطلبة المعوقين في الصفوف العادية , في حين أشارات النتائج إلى أن 39% من المعلمين يرفضون فكرة الدمج .كما أجرى ستين باك وزملائه (Stain back et al , 1985 ) دراسة هدفت إلى دراسة فعالية برامج الدمج , ومدى نجاحها , حيث أشاروا إلى أن نجاح برامج دمج الأطفال المعوقين إعاقة بسيطة ممكن أن يعتمد على تمكن معلمي المدرسة العادية من تعديل أساليب تدريسهم بحيث تخدم حاجات الأطفال المعوقين , وان أسباب فشل برامج الدمج تكمن في صعوبة تعديل المعلمين لأساليب تدريسهم . (الروسان , 1998(

التجارب الدولية في مجال الدمج : 
تجربة الدمج في الولايات المتحدة الأمريكية تعتبر الولايات المتحدة الأمريكية من الدول الرائدة في تطبيق فكرة الدمج بأشكالها المختلفة , وخاصة بعد ظهور القانون العام رقم 94/142 المعروف باسم التربية لكل الأطفال المعوقين وتعديلاته حيث أصبح يعرف باسم قانون التربية لكل الأطفال , حيث نادت تلك القوانين بضرورة توفير الفرص التربوية لكل طفل من الأطفال غير العاديين واشترطت حصول مراكز التربية الخاصة على دعم الولاية والحكومة الفدرالية على الدعم المالي لها بضرورة توفير تلك الفرص التربوية المناسبة , وفي اقل البيئات التربوية تقييدا , وعلى ذلك يشير راسو (Rasso , 1974 ) في دراسة له التحاق نوع جديد من الطلبة في المدارس العادية نتيجة لتطبيق القانون المذكور , ففي ولاية بنسلفانيا وبناء على قرار المحكمة فيجب تعليم كل الأطفال المعوقين عقليا في المدارس العادية , وفي ولاية كولومبيا فيجب أن يتعلم كل الأطفال المعوقين في المدارس العادية , حيث يتيح مثل هذا التطبيق لفكرة الدمج توفير الفرص التربوية للأطفال المعوقين حيث لا يتلقى 50% منهم التعليم المناسب , في حين أن فكرة الدمج توفر فرص التعليم لثلاثة ملايين ونصف من الأطفال المعوقين حيث يبلغ عدد الأطفال المعوقين في الولايات المتحدة الأمريكية سبعة ملايين طفل , وتعتبر تجربة ولاية كاليفورنيا من التجارب المشهورة في تطبيق فكرة الدمج للأطفال المعاقين حركيا , حيث صممت هذه المدرسة لتطبيق فكرة دمج الأطفال المعاقين حركيا مع العاديين إذ التحق بهذه المدرسة 330 طالب من العاديين و96 من المعاقين حركيا ويشرف عليهم عشرة مدرسين للطلبة العاديين وثمانية مدرسين للمعاقين حركيا , وقد توفرت في هذه المدرسة الأدوات والوسائل اللازمة لإنجاح فكرة الدمج مثل أجهزة خاصة بالمفاصل , ممرات مشي وغيرها .
تجربة الدمج في بريطانيا :
 بدا الاهتمام بفكرة الدمج في بريطانيا منذ بداية السبعينات من هذا القرن حيث تم اخذ فئات ذوي الاحتياجات الخاصة بعين الاعتبار عند التخطيط للبرامج التعليمية, وعلى ضوء ذلك طلبت الحكومة البريطانية من السيدة ورانك (Mary Warnock , 1974 ) رئاسة لجنة تهدف إلى دراسة أوضاع المعوقين في بريطانيا واسكوتلاند , وويلز , وخاصة من حيث ميدان التربية الخاصة
وتصنيف فئة التربية الخاصة , ومفهوم الدمج بأشكاله مكاني , اجتماعي , وظيفي كما هدفت اللجنة لدراسة أوضاع المدارس الخاصة وزيادة المدى العمري لبقاء الفرد في المدرسة الخاصة حتى العمر 19 وكذلك دراسة مراكز المصادر , والتربية المبكرة , والاهتمام بالقياس والتقويم , وكذلك الاهتمام بموضوع تدريب المعلمين , وقد ظهر ذلك الاهتمام بالتقرير المعروف باسم ( The Warnock Report ) والذي نشر في عام 1978 وقد أخذت الحكومة البريطانية بهذا التقرير ودرست قومياته , وبناء على ذلك ظهر قانون التربية الخاصة في بريطانيا عام 1981 والذي أطلق مصطلح الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة بدلا من مصطلح الأطفال المعوقين , كما نادى بضرورة دمج الطلبة ذوي الحاجات الخاصة في المدرسة العادية في الصفوف الخاصة , أو في الصفوف العادية إذا كانت قدراتهم تسمح بذلك , والا فان المراكز الخاصة هي المكان المناسب لبقية تلك الحالات وخاصة الحالات المتوسطة والشديدة .
 
الدمج في المملكة العربية السعودية
والجهود الرسمية تضطلع السعودية العربية السعودية بدور ريادي في مجال دمج الأطفال ذوي الاحتياجات التربوية الخاصة في المدارس العادية على مستوى المنطقة، فعلى الرغم من قصر عمر تجربة وزارة التربية والتعليم السعودية في هذا المجال إلا أنها استطاعت أن تقطع شوطاً كبيراً في هذا الجانب. فقد أصبحت أعداد معاهد التربية الخاصة المطبقة في المدارس العادية تفوق كثيراً أعداد معاهد التربية الخاصة والبرامج التابعة
لها، كما أصبحت أعداد التلاميذ الذين يتلقون خدمات التربية الخاصة في المدارس العادية، تفوق أعداد أقرانهم الذين يتلقون تلك الخدمات في المعاهد والبرامج التابعة لها. ويتم الدمج التربوي في السعودية على طريقتين: طريقة الدمج الجزئي المتمثلة في الفصول الخاصة الملحقة بالمدارس العادية، وطريقة الدمج الكلي التي تتم عن طريق استخدام الأساليب الحديثة مثل: برامج غرف المصادر، وبرامج المعلم المتجول، وبرامج المعلم المستشار، وبرامج المتابعة في التربية الخاصة. إستراتيجية وطنية من أهداف سياسة التعليم في السعودية اعتبار تعليم المتفوقين والمعوقين جزءاً لا يتجزأ من النظام التعليمي، ويأتي وضع هذه الأهداف كاستجابة للتطور السريع والتوسع الكبير اللذين يشهدهما مجال تربية وتعليم الفئات الخاصة في السعودية والعالم، وإدراكاً من الوزارة لحجم المشكلة التي تتمثل في أن أكثر من 20% من تلاميذ المدارس العادية في أي بلد من بلدان العالم هم في حاجة إلى خدمات التربية الخاصة، وإيماناً منها بأن المردود الذي سينجم عن تقديم تلك الخدمات للفئات المستفيدة لن يقتصر على تلك الفئات فحسب، بل سيحدث نقلة نوعية في العملية التربوية ويترك أثراً إيجابياً على مخرجات التعليم.
تقويم تجربة الدمج رغم أن هناك محاولات جادة تهدف إلى إجراء دراسات علمية على مستوى السعودية بغرض التعرف على بعض المتغيرات مثل: التحصيل الدراسي لدى التلاميذ، المهارات الاجتماعية، السلوك التكيفي، وغير ذلك من المتغيرات ذات العلاقة، إلا أن أياً من هذه الدراسات لم يتم تنفيذه بعد، رغم حرص الوزارة الشديد على الاستفادة من نتائج هذه الدراسات في أسرع وقت ممكن، وعلى هذا الأساس فإن عمليات تقويم برامج التربية الخاصة في المدارس العادية تعتمد اعتماداً كبيراً على نتائج الجولات الميدانية التي يقوم بها المشرفون التربويون بشكل منظم، ويقدمون من خلالها تقارير مفصلة تشتمل على معلومات قيمة مثل:طبيعة سير العمل في البرامج، ونقاط القوة والضعف في البرامج، والمشكلات التي تواجه البرامج، والتوصيات والمقترحات والحلول المناسبة للمشكلات. وينبغي التنويه هنا أن عمليات تقويم برامج الدمج التربوي تتم في السعودية بغرض النهوض بمستوى خدمات التربية الخاصة المقدمة من خلالها كماً ونوعاً، وليس بغرض الحكم عليها بالنجاح أو الفشل، وهذا يجعل من وجودها في المدارس ضرورة قصوى لأنها تقدم آلية تعليمية مرنة تمكن من الوفاء باحتياجات جميع الأطفال غير العاديين في السعودية. وقد وضعت الأمانة العامة للتربية الخاصة مجموعة من الضوابط لتطبيق مبدأ الدمج منها: إيجابية الاتجاهات التربوية لإدارة المدرسة والمعلمين نحو تطبيق البرنامج، وألا تزيد كثافة الفصل في المدرسة المزمع الدمج فيها على «25» طالباً، ووجود نظام مساند تقدم من خلاله خدمات التربية الخاصة، كما حددت مجموعة من الإجراءات الأولية الضرورية لتنفيذ عملية الدمج، منها عقد دورات تأهيلية قصيرة للمعلمين عن مفهوم الدمج وأهدافه ونظامه ومتطلباته بقصد تغيير اتجاهاتهم نحو المعوقين وإمكانية دمجهم. نظـرة إحصـائيـة بلغ عدد معاهد وبرامج التربية الخاصة بوزارة التربية والتعليم في السعودية في العام الدراسي «1419- 1420هـ» 223 معهداً وبرنامجاً، وتحتل معاهد وبرامج التربية الفكرية مكان الصدارة في القائمة من حيث العدد، تليها برامج صعوبات التعلم، ثم معاهد وبرامج العوق السمعي، فمعاهد وبرامج العوق البصري، وتأتي برامج التوحديين وبرامج متعددي العوق في المؤخرة، متقدمة بذلك فقط على الفئات ذات البرنامج الواحد.

احصائيات :
وبلغ عدد المدارس العادية التي تطبق فيها برامج غرف المصادر الخاصة بالتلاميذ ذوي صعوبات التعلم في هذا العام الدراسي «65» مدرسة موزعة في مختلف أنحاء السعودية، بالإضافة إلى ثلاثة مراكز مسائية.ومن المتوقع أن يتضاعف عدد هذه المدارس بشكل كبير، ذلك أن استحداث برامج غرف المصادر لذوي صعوبات التعلم في المدارس العادية يعتمد على الاستفادة من خدمات المعلمين المتخرجين من قسم التربية الخاصة وبالرغم من ذلك فإن هناك بعض الفئات التي لم تستفد من خدمات التربية الخاصة بعد، مثل فئة المضطربين سلوكياً وانفعالياً، وفئة المضطربين تواصلياً، وجارٍ العمل على استحداث برامج لهاتين الفئتين وغيرهما من الفئات التي تحتاج إلى خدمات التربية الخاصة. ويلاحظ كثرة وتنوع أنماط تقديم خدمات التربية الخاصة في السعودية ، وهذا يعني أن تعليم الأطفال غير العاديين في السعودية قد تجاوز مرحلة التعليم بالضرورة إلى مرحلة التعليم بالانتقاء، وهي بلاشك مرحلة مهمة يمكن من خلالها التعرف على أفضل الأساليب وأكثرها فاعلية، مع ملاحظة أن الإبقاء على هذه الكثرة وذلك التنوع في تقديم الخدمة يعد ضرورة تتطلبها عملية الوفاء باحتياجات جميع الأطفال



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق